فصل: بعث الجيوش للمرتدين.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.بعث الجيوش للمرتدين.

لما قدم أسامة ببعث الشام على أبي بكر استخلفه على المدينة ومضى إلى الربذة فهزم بني عبس وذبيان وكنانة بالأبرق ورجع إلى المدينة كما قدمناه حتى إذا استجم جند أسامة وتاب من حوالي المدينة خرج إلى ذي القصة على بريد من تلقاء نجد فعقد فيها أحد عشر لواء على أحد عشر جندا لقتال أهل الردة وأمر كل واحد باستنفار من يليه من المسلمين من كل قبيلة وترك بعضها لحماية البلاد فعقد لخالد بن الوليد وأمره بطليحة وبعده لمالك بن نويرة بالبطاح ولعكرمة بن أبي جهل وأمره بمسيلمة واليمامة ثم أردفه بشرحبيل بن حسنة وقال له: إذا فرغت من اليمامة فسر إلى قتال قضاعة ثم تمضي إلى كندة بحضرموت ولخالد بن سعيد بن العاص وقد كان قدم بعد الوفاة إلى المدينة من اليمن وترك أعماله فبعثه إلى مشارف الشام ولعمرو بن العاص إلى قتال المرتدة من قضاعة ولحذيفة بن محصن وعرفجة بن هرثمة فحذيفة لأهل دبا وعرفجة لمهرة وكل واحد منهما أمير في عمله على صاحبه ولطريفة بن حاجز وبعثه إلى بني سليم ومن معهم من هوزان ولسويد بن مقرن وبعثه إلى تهامة اليمن وللعلاء بن الحضرمي وبعثه إلى البحرين.
وكتب إلى الأمراء عهودهم بنص واحد: بسم الله الرحمن الرحيم هذا عهد من أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم لفلان حين بعثه فيمن بعثه لقتال من رجع عن الإسلام وعهد إليه أن يتقي الله ما استطاع في أمره بالجد في أمر الله ومجاهدة من تولى عنه ورجع عن الإسلام إلى أماني الشيطان بعد أن يعذر إليهم فيدعوهم بدعاية الإسلام فإن أجابوه أمسك عنهم وإن لم يجيبوه شن غارته عليهم حتى يقروا له ثم ينبئهم بالذي عليهم والذي لهم فيأخذ ما عليهم ويعطيهم الذي لهم لا ينظرهم ولا يرد المسلمين عن قتال عدوهم فمن أجاب إلى أمر الله عز وجل وأقر له قبل ذلك منه وأعانه عليه بالمعروف وإنما يقاتل من كفر بالله على الإقرار بما جاء من عند الله فإذا أجاب الدعوة لم يكن عليه سبيل وكان الله حسيبه بعد فيما استسر به ومن لم يجب إلى داعية الله قتل وقوتل حيث كان وحيث بلغ مراغمة لا يقبل الله من أحد شيئا مما أعطى إلا الإسلام فمن أجابه وأقر قبل منه وأعانه ومن أبى قاتله فإن أظهره الله عليه عز وجل قتلهم فيه كل قتلة بالسلاح والنيران ثم قسم ما أفاء الله عليه إلا الخمس فإنه يبلغناه ويمنع أصحابه العجلة والفساد وأن يدخل فيهم حشوا حتى يعرفهم ويعلم ما هم لئلا يكونوا عيونا ولئلا يؤتى المسلمون من قبلهم وأن يقتصد بالمسلمين ويرفق بهم في السير والمنزل ويتفقدهم ولا يعجل عن بعض ويستوصي بالمسلمين في حسن الصحبة ولين القول انتهى.
وكتب إلى كل من بعث إليه الجنود من المرتدة كتابا واحدا في نسخ كثيرة على يد رسل تقدموا بين أيديهم نصه بعد البسملة: هذا عهد من أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من بلغه كتابي هذا من عامة أو خاصة أقام على الإسلام أو رجع عنه سلام على من اتبع الهدى ولم يرجع إلى الضلالة والهوى فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأومن بما جاء به وأكفر من أبى وأجاهده أما بعد ثم قرر أمر النبوة ووفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطنب في الموعظة ثم قال: وإني بعثت إليكم فلانا في جيش من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان وأمرته ألا يقاتل أحدا ولا يقتله حتى يدعوه إلى داعية الله فمن استجاب له وأقر وكف وعمل صالحا قبل منه وأعانه ومن أبى أمرته أن يقاتله على ذلك ثم لا يبقي على أحد منهم قدر عليه فمن اتبعه فهو خير له ومن تركه فلن يعجز الله وقد أمرت رسولي أن يقرأ كتابي في كل مجمع لكم والداعية للأذان فإذا أذن المسلمون فأذنوا كفوا عنهم وإن لم يؤذنوا فاسألوهم بما عليهم فإن أبو عاجلوهم وإن أقروا قبل منهم وحملهم على ما ينبغي لهم انتهى فنفذت الرسل بالكتب أمام الجنود وخرجت الأمراء ومعهم العهود وكان أول ما بدأ به خالد طليحة وبني أسد.

.خبر طليحة:

كان طليحة قد ارتد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان كاهنا فادعى النبوة واتبعه أفاريق من بني إسرائيل ونزل سميراء وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرار بن الأزور إلى قتاله مع جماعة فاجتمع عليهم المسلمون وهم ضرار بمناجزته فأتى الخبر بموت النبي صلى الله عليه وسلم فاستطار أمر طليحة واجتمعت إليه غطفان وهوزان وطيء وفر ضرار ومن معه من العمال إلى المدينة وقدمت وفودهم على أبي بكر في الموادعة على ترك الزكاة فأبى من ذلك وخرج كما قدمناه إلى غطفان وأوقع بهم بذي القصة فانضموا بعد الهزيمة إلى طليحة وبني أسد ببزاخة وكذلك فعلت طيء وأقامت بنو عامر وهوزان ينتظرون وجمل خالد إلى طليحة ومعه عيينة بن حصن على بزاخة من مياه بني أسد وظهر أنه يقصد خبير ثم ينزل إلى سلمى وأجأ فيبدأ بطيء وكان عدي بن حاتم قد خرج معه في الجيش فقال له: أنا أجمع لك قبائل طيء يصحبونك إلى عدوك وسار إليهم فجاء بهم وبعث خالد عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم من الأنصار طليعة ولقيهما طليحة وأخوه فقتلاهما ومر بهما المسلمون فعظم عليهم قتلهما ثم عبى خالد كتائبه وثابت بن قيس على الأنصار وعدي بن حاتم على طيء ولقي القوم فقاتلهم وعيينة بن حصن مع طليحة في سبعمائة من غطفان واشتد المجال بينهم وطليحة في عباءة يتكذب لهم في انتظار الوحي فجاء عيينة بعدما ضجر القتال وقال: هل جاءك أحد بعد؟ قال: لا ثم راجعه ثانية ثم ثالثة فقال: جاء وقال إن لك رحى كرحاه وحديثا لا تنساه فقال عيينة: يا بني فزارة الرجل كذاب وانصرف فانهزموا وقتل من قتل وأسلم الناس طليحة فوثب على فرسه واحتقب امرأته فنجا بها إلى الشام ونزل في كلب من قضاعة على النقع حتى أسلمت أسد وغطفان فأسلم ثم خرج معتمرا أيام عمر ولقيه بالمدينة فبايعه وبعثه في عساكر الشام فأبلى في الفتح ولم يصب عيالات بني أسد في واقعة بزاخة شيء لأنهم كانوا أخرجوهم في الحصون عند واسط وأسلموا خشية على ذراريهم.